مذكرات شاب عشريني
كتبت لكِ الكثير،
وما زلت أكتب وسأظل أكتب حتى تُمَزق أوراقي، ويجف حبر أقلامي، ويبيض سواد عيني، وتنال الفضة من زلفي، وتجف أجفاني وتتجعد تفاصيل وجهي.
قد لا أكون أجيد وصفكِ بشكلٍ دقيق بحروفي الفقيرة واللغة العريقة لكني سأحاول أن أقطف أحرفي من قاموس
جوارحي وأرسمها على الورق..._ماذا ستقول؟
_ساقول :
_جميلة ٌ أنتِ،
كـقطْعَةً أثرية، كـجوهرةٍ حجرية،
كـساعةٍ أزلية،
صحراويةُ اللونِ، عذبةُ المنظرِ، شَفَّافَةُ المَظْهر، سِرْتِي في شراييني حتى أستوطَنْتِ الأبهرَ، بثوبِكِ الباهرِ الأحمر!جميلةٌ أنتِ،
كـحوريةِ البحر، كـبُزوغِ الفجر،
كـلقاءٍ بعدَ هَجر،
عَينُكِ كـموجِ البحرِ غَرَّتْنِي فَأغَرَّقَتْني،
شَعرُكِ سلاسلٌ من ذهبٍ قَيَّدَتْنِي،
مَلمَسُ كَفَّيكِ كـالحريرِ الناعم،
أما إبتسامةُ ثَغْرِكِ فهذهِ قصةٌ ثَانية،
فقد "أبهرتْنِي، شَتَّتَتْني، ألهمَتْني، حَطَّمَتْني أوقَدَتْني" .
جميلةٌ أنتِ،
وجنتيكِ كـوردةِ الزنبقةِ البيضاءِ،
وثغريك كـالتوليبةِ الحمراءِ،
راقني ملمسُ يديكِ وشدَّني أحمرارُ ثغريكِ ولونُ البحرِ المسكوبِ في عينيكِ...
_لكن ماذا تقول عنِ العيبِ الخُلقِي في خَدي؟
_عن العيب الخَلقي اقولُ؛
الىصعتينِ كـالشمسِ، والقمرِ وهما يَطُلانِ على البحرِ.
يُقال : أنَّ الشاعرَ "يَرى ما لا يراهُ غيرهُ"
وأنا كذلك معكِ يُوحى لي ما لم يُوحى لغيري به أرى أشيائكِ البسيطةَ عملاقةٌ أرى عيوبَكِ جمالًا أرى جمالكِ خَلقًا غيرَ مألوفٍ،
خُصِّصَ لي وأخْتَصَّ بي.
_دَعينا نَتحدثُ،
_عن ماذا؟،
_دعينا نثرثر عن أي شيء،
مثلًا عني أنا أو عنكِ أنتِ؛ عن البدايةِ الموجعةِ لي وعن حرقةِ قلبي، وعن اللا مبالاةِ وتجهالِكِ لشُعوري،
أو عن الضياعِ الأولِ في حياتي في مذكرةِ شابٍ عشريني ماتَ وهو يحاولُ أن يُحبَّ لأولِ مرةٍ،
لم يذقْ طعمَ الحبِّ قبلكِ أبدًا؛ وسقطَ ذاتَ مرةٍ تحتَ وطأة المشاعرِ الباردةِ في أولِ قصةِ حبٍ يخوضُها، وعن أول ِ حربٍ يقودُها ضِدَّ ذاته...
_كنتُ سأخبركِ سرًا،
_ما هو؟
_عندما كنت أسمعُ صوت ضحكتكِ، أو أرى إبتسامة شفتيكِ أشعرُ وكأني طائرةٌ مُحلقةٌ في جوفِ الغيومِ من شدة سعادتي آنذاك...
كنت عندما أجلس بمفردي بعد الثانية من منتصف الليل في ليالي ديسمبر الباردة وأطل من النافذة أتفرج على سير السيارات؛
قهوتي بيدي اليمنى، وسكائري بيدي اليسرى وأقف أتأمل خصركِ بين يدي لاسافر إلى عالم اللا عودة .. أسافر حيث أنا وأنتِ ولا أحد غيرنا فتوقظني حرقة دموعي الهامدة على أجفني، وأصحو من جديد وأعود إلى واقعي ومنفاي.
ثم أرفع صوت الموسيقى، وأنا أنظر إلى صورتكِ بين يدي فأعيد إسترسال ذكرياتكِ، وملامحكِ عبر شريط الموسيقى وأعيش حزني بكل أناقة ولطف...
بينما يشتد الصراع بين قلبٍ قد هلع من ألم الشوق، وعقل هيمن عليه الكبرياء ونكران الذات وسط الملذات؛ وكـالعادة كان ينتصر قلبي دائمًا على عقلي بحربٍ خاسرةٍ ضحيتها "أنا"
لكن لم أنتهي هنا الأمر كان ذاتي التي لا تقبل بالهزيمة، التي تقوم وتُحزم جيش الكبرياء من جديد فيستمر النزاع في اليوم التالي والضحية هي "أنا" مجددًا،
_أتعلمين أمرًا،
_ماذا؟
أتعلمين أنني عندما كنت أراكِ تسيرين في الطريق والشمس بازغة؛ أُسرعُ وأنا أسيرُ خلفك كـي يُلامس ظلي ظلكِ.
أتعلمين أني كنت عندما أراكِ تسيرين على الرصيف والغيوم حاضرةً؛ كنت أسرعُ لكِ وأسير بجانبك فتبلِّلُنا سويةً حبات المطر ذاتها.
أتعلمين أنكِ كنتِ تسيرين على أرصفة قلبي في كل حلمٍ ترسمه مخيلتي،
_وألآن ماذا؟
_ألآن الفرصة متاحة، والرغبة اغْتِيلتْ في ظروفٍ غامضةٍ لكنني مسرورٌ جدًا !
_لماذا؟
_لأنني لم أعد أذكركِ كثيرًا سوى مرتين في الثانية، وعامين في اليوم، وعقدين في السنة.
ولأنني لم أعد أبالي إذا ما رأيتُ الكحلَ قد رسم سواحل ناظريكِ؛ فرماد روحي قد رسم حدود قلبي الذي مات وهو ينتظر على قيد الفراق،
الآن لم تعد تدمع عيني وأنا أنظر لشيء يخصكِ لقد جفت مدامعي نيرانٍ شوقي إليكِ...
ألآن أستطيع أن أقول وداعًا إلى حيث ما تِلقي بنا الصدف،
_إلى حيث ما تلقي بنا الصدف .
محمد سوادي .