قصة

قصة

 • الخامس والعِشرون من أكتوبر 


 أصواتُ الشوارِع لا تَخبو ، والقلوب نبضاتُها تُنادي " ثورة ٌ، ثورة " .

مُنذ إن بَدأت هَذه الإنتِفاضة ، توالَت الأحداث 

عَلِمنا إنّ تُرابَ هذه الأرض غالٍ جداً ، تعلّقنا بِه بأرواحِنا ، لابُد إن ّمُعظَمنا لَم يكُن يشعُر بأهمّية هَذهِ الثورة في بدايتِها ، لكِن أنا واثِقةٌ تمامًا إنّ اليوم لا يُوجَد مَن لا يعلَم أهميةُ الأمر ، إلّا القليلُ منهم والأفضل ألّا نَعُدّهم مِنّا كُلنا قلبٌ واحِد .. والثورة ُللجَميع .. 

إمتَلأت الساحات برائِحة " الغاز المُسيل لَدموع " وأصبحَت الرائِحة عاديّة ٌجداً بالنسبة ِلنا ، لَم يعُد الأمر خطيرًا ، قليلٌ مِن الدموع والاختناق لا يَضُر . أصواتُ الرَّصاص ، أصبَحت لا تُخيفُنا ولا تردَع خُطواتنا ولا تَجعل صفوفنَا تَتراجَع للوَراء و لا تُزعزِع كياننْا ، أصبَحت تَبُثّ القوة فينا ، الزنازين لا تُطفِيء شُعلتنا ، و لا تَزجُر حناجِرنا ، هَذه المُعتَقلاتُ مليئَة بالأبطال ..!

و جُدران المنازِل تُزيّنُها شعارات الثورة والهُتافات. غَنيّنا لنا ، للعراق ، هَتفنا لنستَرد حقوقنا الضائِعة ، حقاً أود الإعتراف بشيء ؛

لأول مرةً يُساورني إحساس الأمان ، لأول مرةٌ ينجَلي كُل ذلك الخََوف الذي حف صدري عدة أيام بل عدة شهور ذلك الأمان الذي نَشعر بهِ ونحنُ في بطون أمهاتِنا ومن ثم في أحضانِهن ،

الشعبُ لم يكن في الشارع كانوا في بيوتِهم 

يتخذونَ الأرض سريراً أبيضاً ناعماً ويلتحفون بالسماء غطاء.ً 

تذكرتُ أول مرة أسمع فيها صَوت القنابل المسيلة للدموع عنْدما كُنا ذاهبين لإحضار بعض الأشياء رأيتُ عدداً من قوات الشَغب يترصدونَ للمُتظاهرين حتى قبل  أن يَصلوا إليهم ، للصراحة الخوف كانَ يجتاحَ قلبي لَم أشعر بأننَي قد أعيش بأمان في وطنٍ كهذا ابداً يُقتل فيه الذي يستحق أن يعيش ، يستحق الحياة ويعيش الظُلام فوق رؤوسنا وعلى حساب أرواحنا خلّفوا داخِلنا غضباً جماً ، وهذهِ الحناجِر تضُم غُصةٌ عظيمة ٌوصَيحة ًمُدوية جوفُنا ممتليء بالغبن .

إنّ الحُكّام لدينا ، يتكلّمون عن الأمن ، عن أيّ أمنٍ يتحدّثون ؟!

أينَ الأمن في بيوتٍ تُحرَق بِفِعل أيادي الطُغاة ؟ 

أين الأمن في قلوبِ الأمهاتِ اللائي أُخِذت مِنهُن فِلذاتُ أكبادِهِن ؟ أين الأمن في قلبِ الصغير الذي تَضُمّه الشوارِع ولا سقفاً يحميه مِن ظلام الليل ، ولا غِطاء يقيه برد الشّتاء ؟ عَن أيّ أمنٍ تتحدثون ؟ والذعرُ مُتفشٍ في الأحياء وصوتُ النحيبِ نسمعُه كُل ليلة أين الأمن ؟!

أمنُ أموالِكم التي في الخزائِن ، سُلطتِكم الجباره ، خُبثِكم ، تخطيطكُم الفاشِل ، وعودكم الكاذِبة ؟

أهذا الأمن ؟!

فليحتَرق بكُم أمنُكم ، و لِننثُر رمادكُم...

نحنُ يا رِفاق صمتنا كثيراً عن حقوقِنا ، حُقوقِنا الصغيرة التي تُسلب مِنّا  وأمامَنا لقَد حلُمنا كثيراً بِـوطنٍ نُحقق فيه أقلّ أمنياتِنا ، وأحلامَنا الهزيلة 

حَلُمنا بِـوطنٍ آمِن ، ننامُ فيه بِـسَلام ، ونستيقِظ على أصواتِ العصافير الناعِمة ، وأضواءِ الصباح الهادِئة ، وجلسَةٌ أمام دجلة ، نتنفّس هواءً نقياً ، نرتَشِف الشاي وكأننا نرتشِف ياسَميناً بالعَسل ! 

كُنّا نلوذ بالفِرار مِن كُل السوء الذي نلقاهُ في كُل رُكنٍ ينتَمي إلى النظام الفاسِد ، لكِن الآن ، هُم من يبحَثون عَن رُكنٍ لينحشِروا فيه ، جُبناء !

أتعلَمون ماذا ؛ الثورة أعظم شيء حَدث مُنذ أنّ وُلدنا في هَذه الدولة ليسَت فقَط ثورة ، إنّما وطنٌ جديد ، وطنٌ وُلد في أيامٍ قليلة ، هُتاف الثوار العَالي الذي دقّ عَلى طَبلة أٌذني كَـمَقطوعة مُوسِيقية ، الأحياء التي ضجّت تُنادي بَـالحُرية ، تُنادي بَـالحياة ، الأبطالُ الذين لم يهابوا الموت و خرجوا إلى الشوارِع وأياديهم مرفوعة إلى الأعلى تُردد " محد يِحب العراق بگدنا " .

الأطفالُ والشبابُ الذين ضَحوا بأنفُسهم مِن أجلِ الوطَن ، مِن أجلِ أنّ تُشرِق أجيالٌ جديدة ، لأَول مرةَ أتأكد من جُملة " العراق بعده بحيله "

صَحيحةٍ إلى الأبد .

 أنّنا ما زِلنا نحمِل في دواخِلنا حُباً لو سقينا بِه أرضاً قاحِلة لأزهَرت عَلى الفور حُبنا لبعضِنا البَعض ، حُبنا لـعراقنا .

سَنكتُب عن أولئِك الثوّار الأبطال الذين وُلدوا لكَي يُنقِذوا الوطَن ، سَنُسَطّر تاريخاً جديداً يحمِل صُور شُهادَئِنا جميعاً في غِلاف الكِتاب ، سنظّل نروي قِصة نصرِنا عَبر الأجيال القادِمة ، ستَمتليء الشوارِع بِـبيضِ الحمائِم تُحلّق فوقَ الساحاتِ والموانئ كأنّها تُردد : " وطَنٌ واحِد ، وطَن حُب وأمان وسَلام " يوماً ما سيعود الوطَن ... 

زينب حيدر


إقرأ أيضا
شارك
إشترك في بريد المدونة السريع لتبقى مطلعا على الأحداث أولا بأول.

المواضيع ذات صلة