قصة
"ليتهُ لمْ يكنْ حُلمًا .. ولَيتكَ لمْ تَرْحَلْ ياصفاء"
كانَ هذا في ٢٩ أكتوبر لسنة ٢٠٢٠
كتب في٦:٢٠ دقيقة مساءً
هدوءٌ وسكينةٌ تعمُ أرجاءَ المكانِ، ينيرهُ ضوء السماء الخافت.
كانت شقيقتي جالسةٌ على الأرض وأُمي متكئة بالقرب منها...
أما أَنا فكنت أتوسط الأثنينِ ووجهي يملأُ كُفَيّ، عيناي يغمرهما الدمع وقلبي ملتهبٌ كالجمرِ من غمرة الأسى؛ وفي وجهيِ مَلامحُ عزاءٌ، كأمٍ فقدت رضيعها منذ أولِ يومٍ ولدتهُ،
وقيثارة الكرب تشدو ألحانها على وترٍ بطيءٍ من بين أغصان الشجر التي تكسوها الأوراق الخضراء كان واقفًا.
لمحتُ هيئتهُ بوجههُ الحنطي، وشعره الذي بلونِ الليلِ، قميصهُ الأبيض، وطولهُ المعتدل، عيناه اللتان يغشاهما التواضع والخلق العظيم وروحهٌ المُطَمئِنة...
لمحتهُ يلوح اي بإيحاءاتٌ وإشارات بيده لكنني لم أكن أفهم مايريدهُ مني!
لكوني كنت غارقةٌ في شجنٍ بليغٍ لأجله،
فقد حان موعد عودتهِ إلى القبرِ كي ينام! بحثت أختي في كتابٍ لتفسير الأحلامِ بيدها فتبين نومه هو عودتهِ للجنان؛ أجل الجنان التي وعدَ الله بها الصالحون من عبادة والذين ظُلِموا وأُغتُصِبَ حقهم لإجل الحقِ ومنهم الشهداءَ،
صوتٌ قاطعَ وتيرةُ الكدرِ التي كان ذهني شاردٌ فيها كان يقول:
"زينب صفاءُ يتكلم معكِ"
أنه صوتُ أختي التي أجلس بجانبها،
ذلك الشاب الذي لمحتهُ بهيئتهِ العظيمةِ التي تتسم بالبساطة وكل مكارم الأخلاق
لا أُخفي شعوري القليل من السعادةِ، كوني سأتحدث مع رمزُ ثورتي، ثورتكَ، بل ثورة كل العراقيين.
سرتُ والحزن يغشاني كما يغشى السواد ليلَ عراقنا، وسار هو معي أيضًا إلى ممرٍ خلف بيتنا؛ وقد كان في قلبي شيءٌ من اللهفة لسماع ما سَيقولهُ لي،
فوقفت بالقربِ من بابٍ ذلك الممر ووضعتُ رأسي في حجري ووجهي بين كَفَيّ...
فأمسيت وروحهُ تحومُ حولي وفي اللحظة الأخيرة التي حان فيها موعد رجوعه؛
كل الذي أدركه عقلي منهُ أنهُ كان يُريد أن يخبرني بشيءٌ ما وقتها وهو:
"لا تَبكيِ عَلي"
ثم أختفى بعدها وكأن الغطاءَ قد رُفعَ عن عيناي لآراه ولو للحظاتٍ؛ لا أعلم إن كان طيفًا أو حلمًا لكنهُ كان أشبه بالحقيقةِ، حتى عندما أستيقظتُ من نومي صباح اليومِ، وجدتُ دمعٌ في عيني من هولِ ما تألمت وما قد رأيت.
كنت أتمنى لو أنني لم أستقيظ، أو حتى لو إِن صفاءً لمْ يرحلْ، أو لمْ يمت من الأساسِ آهِ ثم آه على فقدنا لكَ؛
فمن أين نأتي بصفاءٍ اخرَ مثلكَ؟!
هو لم يكن مجرد اسم أو مجرد شخص بل شابٌ مناضل من أجل الحق وزاهدٌ بالدنيا ومن فيها.
هو لم يمت أبدًا بل لا زالت روحه تترقب مكان الثورة والأسود الذين لا زالوا يرفعونَ شعارها حتى الآن؛ كما لا زالَ وسيبقى قلبهُ ينبض حبًا، وحزنًا لساحةُ التحرير في محياه، حتى بعد رحيله وغيابه عن أعيننا .
زينب العبودي
