"الطّيور"

"الطّيور"

 


تَعلّمتُ مِن أبي رحمهُ الله مهنة الفلاحة . وكان يُعطيني دروساً في الصّبر كلّما رآني لا أطوّع جسدي على مَشقّة العمل . وكان في فصل الصّيف يُوصيني أنْ أَضع مِلاءةً على رأسي كي

تقيني حرارة الصّيف اللاهبة . كنتُ أراهُ يُبقي ذقنهُ دون حلاقة

، فَتصوّرتُ أنّ ذلك مِن مُستلزَمات المهنة ، فتركتُ ذقني سائباً مِثلَه . قالَ لي يوماً : إنّ أوّل خطوةٍ عليك انْ تقوم بها هي أنْ 

تملأ قلبك مِن اليقين ، لِأنّ نَصيبك مِمّا قَسمهُ الله مِن الغلّة لا

يستطيع احدٌ أَنْ يزيد او ينقص منه شيئاً ، بعد أن تضع في

حساباتك ما ستَنال مِنه الطّيور أثناء وبعد البذار . قُمتُ بتعديل الأرض ، وبذْر البذور ، ومِن ثمَّ حراثتها . نَزعتُ عنها الأحراش والنفايات الضّارة بعد أن قَسَّمتُها إلى ألواح صغيرة .

تذكّرتُ ما قاله لي أبي بِأنّني ساعةَ أبذر البذور ، عليَّ أن أقول: للطّير منها نصيب ، وما قسمَ الله لي هو نصيبي الباقي . بدأتُ 

بسقي الزرع وكان مِن بذور الحنطة ، وحال أنتهي من السّقي 

أذهب إلى ماكنة ضخ الماء الواقعة على أحد كتفي النهر لِأوقِفَ تَشغيلها . أستمرَّ العملُ بانتظامٍ كلّما شعرتُ بأنّ الزرع 

بحاجةٍ الى سقي .


بدأ بالنمو بعد أن خرجَ من الأرض وثبتَ فيها ، ومِن ثمّ استقام على سوقه يوماً بعد يومٍ وشهراً بعد 

شهر . بدأ الزرع بالاصفرار ، وبدأتْ حبوب الحنطة بالنضج

، وبدأتِ الطيور كثيرة التَّردّد على الزرع . تَحمّلتُ هذه الطيور

مرّةً ومرّتين وثلاث مُتذكّراً ما قاله لي أبي بأنّ للطّيور نصيباً

مِن المحصول . في المرّة الرابعة لم أستطع تحمّل أَنْ أراها

تَفتُك بالزَّرع ، فحملتُ حجارةً صغيرةً ورميتُ الطيور

، فأصابتِ الحجارةُ أحد الطيور بإحدى عينَيه وأفقدَها البصر

. تألّمتُ وندمتُ كثيراً ولكنْ لاتَ ساعة ندم . انقضَى النهار ،

وعند حلول المساء كانَ وضعي النفسي سيِّئاً ، وبقيتُ أفكّر

بالطَّير كثيراً ، وما أن ذهبتُ لِأنامَ حتى جاءني في الخلم

وقالَ لي : يَبدو أنّ اللُّحَى غالباً ما تكون خادعةً وكاذبة ،

لِأَنَّ لِحيتكََ كانتِ السَّببَ في خِداعي وفَقْدي لِإحدى عَينَيّ .

_شارع حسن رباط العابدي


إقرأ أيضا
شارك
إشترك في بريد المدونة السريع لتبقى مطلعا على الأحداث أولا بأول.

المواضيع ذات صلة